فقر وبؤس ومرارة.. كلمات تجدها تتردد داخلك دون استئذان، عندما تخطو بقدميك تلك المنطقة التى سرعان ما تشعر بأنها نقلتك الى عالم الأموات.
لا شىء يدل على الحياة فيها سوى الوشوش الفقيرة البائسة، وتلك الأجساد المتهالكة والأفواه الجائعة المتلهفة على رغيف عيش، وتلقيمة شاى لسد الجوع المتراكم، إنهم "الجبخانة"، أحد أهم وأفقر عشوائيات هذا الوطن.
عيش حاف
أول الوجوه التى التقيناها هو الحاج محمد، وهو أحد سكان الجبخانة منذ بداية التسعينات الذى استقبلنا فى منزله مع دعوته لنا لنشرب معه الشاى، داخل بيته المتواضع وبدأ الحاج محمد فى سرد قصته قائلا "أعيش فى الجبخانة منذ 22 عاما ولدى 13 من الأبناء وجمعيهم يعملون فى وظائف بسيطة حتى نستطيع أن نعيش لأن المعاش الذى اتسلمه 400 جنيها فقط ولا يكفينا سوى عيش حاف، ثم بدأ بالحديث عن متاعبم ومشاكلهم المستمرة منذ قديم الزمن من فقر وبطالة وعدم وجود مستشفيات، فأقرب مستشفى لنا هى مستشفى" أحمد ماهر " والتأمين الصىحى هنا ضعيف جدًا، كما أن هناك صعوبة فى المواصلات وأيضًا قلة فى الإمكانيات الخاصة بتوصيل المياه والكهرباء للمنطقة، "وحتى العيش مش لاقينه"، ولا توجد أفران للعيش ثم اختتم الحاج محمد حديثه قائلا " نفسنا نعيشلنا يومين ".
أما يسرى حموده يقول "إن أهل الجبخانة تنقصهم العديد من الخدمات، ولعل من أهمها عدم وجود أى مدخل أساسى للدخول للجبخانة بل لعزبة آدم كلها، والمدخل الوحيد لها من تحت النفق وهذا النفق لا يسع إلا السيارات صغيرة الحجم فمثلا إذا حدث حريق هنا لا أحد يستطيع الدخول بسيارة مطافئ، ومن المشاكل التى تعانى منها أيضا الجبخانة عدم وجود مستشفيات صحية قريبة أو حتى مستوصف صحى، بالإضافة الى كل ذلك عدم وجود أى مدرسة تعليمى قريبة من المنطقة، كما أن الحالة الأمنية هنا قد تكون منعدمة، على الرغم من وجود قسم دار السلام بالقرب من هنا.
موت بالحياة
"الناس هنا معدودة من الأموات مش من البشر ".. هذه هى الكلمات التى بدأ بها رضا البنا كلامه، متحدثا عن الهموم والألام التى يعانى منها أهل الجبخانة قائلا "نحن هنا مدفونين مش عايشين مثل بقية الناس ولا أحد يحس بما نعانيه من فقر واحتياج لكل مظاهر الحياة الآدمية التي نتمناها، فهذا أبسط ما يمكن تحقيقه لنا فنحن لانطلب شىء صعب ولكن ما نطلبه حياة كريمة تتناسب مع كوننا بنى آدمين من توفير العمل والمسكن المناسب والمستشفيات والمياه، فنحن كنا نذهب لشراء المياه من دار السلام وكان ثمن الجركن جنية ونص.